بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة (گودة) -الجزء الاول
كان الظلام مطبقاً في ليلة من ليالي نيسان الباردة واصلت الفتاة سعيها في الغابة المرعبة بكل ما تبقى لها من بأس محاولة الوصول الى بر الامان. بقيت تنظر ورائها كل قليل لتتأكد من ابتعادها عن مصدر الخطر متفقدة الاشجار والاعشاب من حولها وسط عتمة الليل تلهث وهي تعبة، خائفة والجوع والعطش يقطعان احشائها تقطيعا. كانت تأمل العثور على ساقية او حتى بركة ماء آسنة تروي منها عطشها الذي اصبح لا يطاق، فلقد جف ريقها وصار فمها وكأنه مليئ بالحطب. فجأة وصل الى مسامعها صوت انين يأتيها من بعيد وسط الصرير الذي يصم الآذان لكنها لم تتبينه جيداً. قد يكون مصنعاً او ملعباً رياضياً كالذي اعتادت سماعه في طفولتها كلما أقيمت مباراة بالقرب من بيتها الا ان هذا الصوت لم يكن مثيله تماماً. بقيت تسعى باتجاه الصوت لكن اقدامها الحافية لم تعد تسعفها من شدة الالم اصبحت تتباطأ كلما مشيت اكثر، والدماء ما فتئت تسيل لتلتف حول ساقيها كالافاعي لكنها لم تبالي بها الآن فهي تقاتل من اجل بقائها. ظلت تمشي ببطئ شديد بعد ان فقدت قدرتها على الجري حتى سمعت اصواتاً مروعة كادت تصرعها فتسمرت بمكانها. التفتت خلفها لتتثبت الامر فلم تجد احداً بالارجاء. بحثت عن جذع شجرة تستتر خلفه، واذا بها ترى جربوعاً صغيراً يدبي بين الاعشاب. عادت لتواصل سيرها ولكن ببطئ شديد كي تصل الى من سينجيها. وبينما هي ترمي القدم فوق القدم ابصرت من بعيد اضواءاً تمر بكلا الاتجاهين. فتحت حدقة عينيها وبحلقت جيداً واذا بها سيارات لا لبس في ذلك. علمت يقيناً انها صارت قاب قوسين او ادنى من شارع مُعَبّد. يا الهي انه الخلاص، انها سوف تنجوا اخيراً. يجب عليها ان تبلغه يجب ان تجد من يأخذها بعيداً عن أيدي الوحش وربما قد يسقيها ماءاً او تجد عنده طعام، فكل ما تفكر به الآن هو صراع البقاء. تقربت من الشارع اكثر لترى العربات تمر من امامها كالبرق لكنها لم تكن تتوالى كثيراً. اختبأت خلف جذع شجرة بالقرب من الاسفلت فرأت شاحنة كبيرة قادمة من بعيد. لم تجرؤ على التحرش بها لان شيئاً ما كان يخيفها، ربما صوتها المدوي او حجمها المهول لذا تركتها تمر من امامها. بعد قليل رأت سيارة صغيرة تأتي من الاتجاه المعاكس. هنا تشجعت قليلاً وخرجت من خلف الشجرة وصارت تلوح بيديها الا انها لم تتوقف بالرغم من ان عينها التقت بعين السائق، يبدو انه خاف منها. "ولماذا يخاف مني؟ فانا مسكينة ضعيفة طريدة، انا ضحية انا الفريسة ولست المفترس" بقيت واقفة بعض الوقت حتى دنا منها كاشف سيارة اخرى لتتسمر امامها هذه المرة معرضة نفسها لخطر الموت. صارت تلوح بيديها من جديد ولدهشتها فالسيارة توقفت هذه المرة ورأت بداخلها رجلاً مسناً انصبغ رأسه بياضاً كالقطن. سارت لتصبح الى يمينه فانزل الشباك وقال،
السائق : الا اين انت ذاهبة يا ابنتي بهذه الساعة المتأخرة من الليل؟
الفتاة : لا يهم، الى اي مكان سيدي بعيداً عن هنا.
السائق : انا ذاهب للعوينات. هل يناسبك ذلك؟
لم تعرف ما هي او اين تقع العوينات لكنها قالت،
الفتاة : اجل، اجل ذلك جيد.
السائق : اذاً اركبي السيارة يا ابنتي.
فتحت الباب وجلست الى جانبه ثم اغلقته باحكام ورائها.
الفتاة : الديك ماء وطعام يا عمي؟
قالتها وهي تسعل سعالاً غير منقطع.
السائق : لدي ماء فقط. انظري بالقرب من ساقيك هناك قنينة ماء.
امسكت بالقنينة الملئى وراحت تشرب منها حتى افرغتها كاملةً. نظرت اليه وقالت،
الفتاة : الديك المزيد؟
السائق : كلا، هذا كل ما كان لدي. يبدو انك مُلْتَاحة.
لم تعلق على ما قاله، اكتفت بالنظر امامها والتزمت الصمت.
دفع المتراس وكبس بقدمه على المعجل لتبدأ سيارته بالسير. كانت الفتاة تنظر اليه بريبة وحذر لعله يعرف الوحش فيعيدها الى ذلك البيت الشنيع المخيف وقتها سيوسعها الوحش ضرباً وتعنيفاً. بقي الرجل صامتاً لبعض الوقت يقود سيارته ويستمع الى سعالها بين الفينة والفينة. كان يريد منحها الامان قبل ان يتحدث معها. وبعد قليل سألها،
السائق : هل اعتدى عليك احد؟ اقصد هل ضربك احد، ابوك، امك، اخاك؟
اغلقت عينيها واكتفت بهز رأسها بالنفي دون ان تتكلم. سألها،
السائق : الى اي مكان تودي ان تقصديه في العوينات؟
الفتاة: بالبيت الذي يجلس فيه الكثير من الشرطيات.
السائق : اتقصدين مركز الشرطة؟
الفتاة: اجل، اجل انه هو.
السائق : انا اسمي عبد الله وانت؟
سعلت قليلاً ثم قالت،
الفتاة: گو... گو... گودة، انا اسمي گودة يا سيدي.
عبد الله : اردت ان اعرف سبب ذهابك لمركز الشرطة يا گودة. هل تريدين ان تشتكي على احد؟
گودة : كلا، اريدهم ان يحموني.
عبد الله : ولكن يحموك مِن مَن؟ اهو ابوك، اخاك، عمك، امك قولي لي مِن مَن انت هاربة؟
گودة : انا هاربة من الوحش.
هنا بدأ يتململ ويشعر ان الفتاة ليست على ما يرام لكنه قرر ان يواصل استجوابها قال،
عبد الله : ولكن ليس هناك وحوش بهذه الدنيا يا ابنتي.
انتابتها نوبة من السعال المتواصل من جديد، ولما هدأ سعالها قالت،
گودة : انا لا اعرف، كان دائماً يقول ان اسمه الوحش ونحن كنا نناديه بهذا الاسم.
عبد الله : لا حول ولا قوة الا بالله. من هو الوحش يا عزيزتي؟
گودة : الرجل الذي كنت معه ببيته.
عبد الله : لقد نفذ صبري يا گودة. ساخذك لمركز الشرطة وسوف يتولون امرك هناك.
اغلقت عيناها واومأت برأسها باديةً قبولها بما قال. بقيت السيارة تسير بهم لاكثر من ساعة حتى بانت لهم بعض المنازل والبنايات الصغيرة. وقتها اعلن،
عبد الله : لقد دخلنا العوينات. ساذهب مباشرة الى مركز الشرطة وساسلمك اليهم.
گودة : هل ستدخل معي؟
عبد الله : لو دخلتِ وحدك واخبرتهم بما اخبرتني للتو، فسوف لن يصدقوك ابداً. بالرغم من تأخر الوقت، اجل سادخل معك وامري الى لله.
گودة : شكراً عمو.
اوقف عبد الله سيارته امام مركز شرطة العوينات واوقف المحرك ليتطلع الى وجهها ويقول،
عبد الله : ها قد وصلنا المركز. دعينا ننزل ونتحدث اليهم.
فتحت گودة الباب ونزلت من السيارة لتسير بتردد نحو بوابة المركز تبعها عبد الله. دخلا المبنى فوجدا بالقرب من الباب شرطياً جالساً على كرسي خشبي وقد غلبه النوم فارجع رأسه للوراء وصار يصدر اصواتاً تشبه آلة قص الحشائش. بدأ عبد الله يسعل كي يوقظه من غفوته ففتح عيناه وقال،
الشرطي : ما الامر؟ لماذا جئتما الى هنا؟ ماذا تريدان؟
عبد الله : هل الملازم اول عبد الخالق موجود؟
هنا انتفض الشرطي من على الكرسي لما سمع اسم الضابط وقال باحتراز،
الشرطي : اجل يا عمي، الملازم لديه خفارة اليوم، انتظر لحظة واحدة سادخل مكتبه لاعلمه.
عبد الله : قل له ان خاله عبد الله جاء لزيارته.
دخل الشرطي مكتب الضابط وتحدث معه قليلاً ثم خرج ثانية وقال،
الشرطي : تفضل يا عم، الملازم اول في انتظارك. كما في اغنية ام كلثوم "انا في انتظارك" هاهاها.
لم يعقب عبد الله على تلك الطرفة السخيفة ليفتح الباب ويدخل بصحبة گودة فيقفا امام منضدة الضابط الذي جلس ينظر لزائريه، حياه خاله قائلاً،
عبد الله : كيف حالك حبيبي عبودي؟
الملازم اول عبد الخالق : اهلاً خالي، اشتقت اليك كثيراً. ما هذه الغيبة الطويلة؟ وما الذي اتى بك الى هنا بهذه الساعة المتأخرة؟ انها الثالثة صباحاً. ومن معك؟
عبد الله : اعلم ذلك يا بني ولكني اتيتك من اجل هذه الفتاة المسكينة. فلقد كنت عائداً من زيارة اختي فاطمة وفي طريق عودتي اوقفتني حوالي 70 كلم عن هنا وطلبت مني ان اخذها الى المركز. يبدو انها هاربة من شيء او من شخص ما كان يطاردها او يريد ان يؤذيها.
نهض الضابط والتف حول منضدته الحديدية الكبيرة ليقابل الفتاة وجها لوجه وراح يتفحصها ويبحر بهيئتها. فهاله منظرها الذي يثير الشفقة، كانت تبدو له فتاة جميلة في سن المراهقة، مقلتيها مغرورقتان، شعرها شعث منكوش، ملابسها ممزقة، حافية القدمين والدم الذي كان يسيل على ساقيها واقدامها المعفرة المتسخة قد جف ومال لونه الى السواد. كانت نحيلة البنية والخوف يبدو جلياً على وجهها. وقتها تذكر قصيدة معروف الرصافي فراح يرتلها بصوت خافت، (لقيتها ليتني ما كنت القاها تمشي وقد أثقل الأملاق ممشاها. أثوابها رثّةٌ والرجل حافية والدمع تذرفه في الخدّ عيناها). ابتسم بوجهها كي يمنحها الاحساس بالامان ثم اشار اليها بيده كي تجلس على الكرسي الذي خلفها فاستجابت وجلست. انحنى بجذعه ودنا من وجهها وسألها،
عبد الخالق : الآن اخبريني كل شيء يا فتاة، لماذا اردت ان تأتي الى هنا؟
گودة : ان... ان... انا اسمي گودة، واسكن اقصد اعيش اقصد انام على الارض في بيت الوحش. هو لا يعيش هناك كل يوم كل يوم لكن هناك امرأة احياناً طيبة واحياناً ليست طيبة اسمها الخالة فاطمة. هي تجعلني اطهو الطعام وانظف وارتب البيت حتى يأتي الوحش ليرتاح.
عبد الخالق : من هو هذا الوحش؟ هل ان اسمه الوحش ام انها صفة؟
گودة : منذ ان اصبحت اعيش هناك قال لي ان اسمه الوحش. وكذلك الخالة فاطمة تناديه الوحش.
عبد الخالق : كم يبلغ عمره؟
گودة : لا اعلم.
عبد الخالق : وانت كم عمرك؟
گودة : لا اعلم، انا كنت هكذا عندما اخذني الوحش.
اشارت باربعة من اصابعها دلالة على عمرها.
عبد الخالق : حسناً كان عمرك اربع سنوات عندما ذهبت الى بيت الوحش. لماذا ذهبت الى هناك وكم بقيت لدى الوحش؟ وكم هو عمرك الآن؟
گودة : لا اعلم ولكني كنت انام واستيقض وانام واستيقض وانام واستيقض كثيراً حتى هربت اليوم من بيته.
عبد الخالق : لماذا هربت منه؟
گودة : لانه كان يضربني كثيراً ويهددني بالذبح بالسكين ويعمل اشياء اخرى.
عبد الخالق : اشياء اخرى مثل ماذا؟
خفضت عينها للارض وقالت بخجل،
گودة : اشياء اشياء اشياء وحسب.
عبد الخالق : اتقصدين انه كان يغتصبك؟
گودة : لا اعلم ما معنى هذا الذي تقوله، يغوصك او يغبصك!
عبد الخالق : واين ذويكِ؟ اين امك اين اباك؟
گودة : لا اعلم، في يوم من الايام اعطتني ماما الدراهم كي اذهب الى دكان ابو تحسين واشتري الخبز منه وفجأة وقف امامي الوحش وادخلني سيارته السوداء ليأخذني الى بيته هناك. كنت ابكي واصرخ كثيراً وقتها لكنه ضربني ضرباً مبرحاً حتى توقفت عن البكاء.
عبد الخالق : ما اسم ابوك؟
گودة : اسمه بابا.
عبد الخالق : وامك؟
گودة : اسمها ماما واحياناً كنت اناديها يوم او يمة.
عبد الخالق : هل تعرفين عنوان بيتك؟
هزت رأسها بالنفي وقالت،
گودة : لا اعلم ما هو العنوان.
عبد الخالق : هل تعرفين اسم مدينتك او قريتك؟
هزت رأسها بالنفي من جديد.
عبد الخالق : هل كان الوحش دائماً يعيش بذلك البيت؟
گودة : كلا، كان احياناً يأتي واحياناً لا يأتي.
نظر اليها عبد الخالق ثم نظر الى خاله وسأله،
عبد الخالق : كم تتوقع عمرها يا خالي؟
عبد الله : ربما 13 او 14 سنة على اكثر تقدير.
عبد الخالق : إذا كانت تقول الحق فهذا يعني انها قضت ما يقرب من 10 سنوات محتجزة بداخل ذلك البيت مع خاطفيها. ستكون مهمتنا صعبة جداً لاننا سوف لن نتمكن من العثور على عائلتها او على موقع احتجازها. وبما انها لا تعرفهم او تعرف اسمائهم فسوف نبقى في ظلام دامس.
عبد الله : اما مهمتي انا فاعتقد انها قد انتهت يا عبودي. يجب عليّ ان اعود الى البيت والا فإن خالتك ام سعدون سينتابها القلق الشديد وستشكل لي محضر تحقيق.
عبد الخالق : اكيد يا خالي، لا تقلق من هذه الناحية اذهب انت الى بيتك وابلغ سلامي للخالة ام سعدون وانا ساقوم بتسجيل القضية بالسجل الرسمي وادون تقريري للحادث، بعدها ساتصل بحچام كي يلقي نظرة عليها ثم ارفع التقرير بالتلكس الى بغداد كي يرسلوا لنا محققاً ذو خبرة عالية حتى يستطيع حل رموز كل هذه الاحجية.
عبد الله : احسنت يا ولدي، اجل حچام طبيب بارع وسوف يضمد كل جراحها ويفحصها فحصاً دقيقاً. إذاً دعني اذهب الآن لاترك گودة بامانتك يا ولدي.
عبد الخالق : رافقتك السلامة يا خالي.
خرج عبد الله من المركز وانطلق بسيارته عائداً الى منزله يفكر بتلك الطفلة المسكينة وما جرى لها من ذلك المدعو الوحش "انه اسم على مسمى، لو امسكته بيدي لاقطعه تقطيعا". ولما وصل البيت علم ان زوجته لا تزال تنتظره في غرفة الجلوس. هرعت اليه لتمطره بوابل من الاسئلة فابتسم كعادته وقال بهدوء كبير،
عبد الله : حلماً يا امرأة، دعينا نذهب الى غرفة النوم فانا منهك جداً، وساخبرك بكل شيء هناك.
صعد السلم الى الطابق العلوي فتبعته ليدخلا غرفة النوم ولتغلق الباب ورائها. خلع ملابسه واستبدلها ببدلة نومه (دشداشة) ثم جلس على السرير وصار يقص عليها كيف التقى بتلك الفتاة وما عانته وكيف هربت من سجانها فاصيبت زوجته بحزن شديد وصارت دموعها تنهمر بغزارة. احتظنت زوجها وشادت على جهوده في مساعدة تلك المسكينة ووعدته انها ستزورها في المركز باقرب وقت ممكن. بعدها اطفأت الانوار ودخلت السرير الى جانب زوجها لتحتظنه ويناما حتى صباح الغد.
وباليوم التالي دخل آمر المخفر قاعة الاجتماعات ليجد گودة مستلقية على فراش وفرها لها بالامس. ولما رأته وقفت وصارت ترتعد من الخوف وتكرر كلمة "العفو العفو العفو ارجوك سامحني ارجوك لا تضربني". تقرب منها وهو يبتسم ثم قال لها مطمئناً،
عبد الخالق : لماذا تتأسفين يا گودة، انت لم تقترفي اي ذنب، ولماذا اضربك؟ ارجو ان تكوني قد ارتحت بعد زيارة الدكتور؟
گودة : اجل يا عمي الشرطي، بالامس مسح لي عمو الدكتور ساقي ووجهي بماء احمر فسبب لي الحرقة ثم غطاها بلصقات وردية والآن اصبحت افضل من ذي قبل.
عبد الخالق : هذا جيد يا ابنتي فالدكتور حچام بارع جداً وقد قضى فترة عسكريته بمستشفى الرشيد يعالج الكثير من الجرحى العائدين من الجبهة. والآن رجع للعوينات وفتح عيادة بالقرب من بيته.
گودة : ماذا ستفعلون اليوم؟ هل ستذهبون لتقتلوا الوحش؟
عبد الخالق : نحن ننتظر قدوم المحقق من بغداد. هو الذي سيتولى كل اجرائات التحقيق بالقضية. اريد ان اعلمك بانك لست سجينة هنا، وبامكانك الخروج الى خارج المركز والتنزه حتى يصل المحقق.
گودة : لا، لا، ارجوك يا عمو، انا اخاف ان يأتي الوحش الى هنا ويرجعني الى ذلك البيت المخيف. دعني ابقى عندك بالمركز.
قهقه الضابط بصوت عالٍ ثم عقب،
عبد الخالق : لا بأس، لا بأس، إن كان ذلك سيشعرك بالامان فابقي هنا.
گودة : هل تريدني ان اعدّ لك الشاي؟
عبد الخالق : لا يا عزيزتي، لدينا رجل مهمته اعداد الشاي. هو الذي سيحضره لنا. دعينا نذهب الى مكتبي ونشربه هناك.
رجع الآمر الى مكتبه مع گودة وفجأة دخلت عليهم سيدة خمسينية نحيفة تحمل بيدها كيساً بلاستيكيا شفافاً قالت،
السيدة : صباح الخير.
رفع عبد الخالق رأسه ونظر اليها ثم ابتسم وقال،
عبد الخالق : اهلاً وسهلاً بك يا زوجة خالي تفضلي.
ام سعدون : بالامس حدثني خالك عن الفتاة المسكينة لذلك اتيت اليوم كي اراها واحضر لكم الافطار وبعض الملابس.
عبد الخالق : شكراً لكِ، انت انسانة عظيمة يا خالة ام سعدون.
نظر الى گودة وقال لها،
عبد الخالق : يا گودة، هذه السيدة هي زوجة الرجل الذي اتى بك بسيارته الى مركز الشرطة البارحة خالي عبد الله.
گودة : انا جداً ممتنة لزوجك العم عبد الله، لقد انقذني من يد الوحش. وانا اشكرك على الملابس ايضاً.
تقربت منها وقبلتها من وجنتيها ثم سألتها،
ام سعدون : من هو الوحش حبيبتي؟ هل لديك اسمه الكامل؟ هل يسكن بالعوينات؟ فانا اعرف كل اهل المنطقة وبامكاني ان اذهب اليه واضع اصابعي بعينيه لاجره للمركز.
گودة : لا اعلم والله لا اعلم.
ام سعدون : لا باس عزيزتي لا باس. تعالي معي واجلسي هنا وتناولي افطارك مع عمك عبد الخالق.
جلس الثلاثة امام الطاولة وصارت گودة تتناول فطيرة صغيرة وتشرب معها الشاي.
فجأة دخل الساعي مكتب الآمر وقال،
الساعي : سيدي لقد حضر ضابطان كبيران من بغداد ويريدان مقابلتك.
عبد الخالق : ليتفضلا.
دخل رجلان طويلا القامة حيوا الجميع فعرّف احدهم بنفسه قال،
الاول : يا ملازم اول عبد الخالق اقدم لك نفسي، انا ملازم اول سلمان الزبيدي وهذا هو الدكتور لؤي الحافظ، لقد وصلنا للتو من بغداد للتحقيق بقضية الفتاة التائهة.
عبد الخالق : اهلاً وسهلاً بكما. كنت في انتظاركما.
نظر الى زوجة خاله وقال،
عبد الخالق : عذراً يا خالتي ام سعدون لقد حضر ضيفانا من بغداد الآن.
ام سعدون : اجل، اجل هذا امر مهم جداً. ساترككم وارجع لبيتي الآن.
الدكتور لؤي : اريد ان اختلي بالفتاة بغرفة معزولة لاجري عليها فحصاً شاملاً.
عبد الخالق : تفضل معي يا دكتور ساخذكما الى صالة الاجتماعات. خذ معك نسخة من التقرير، اما انت يا ملازم اول سلمان فابقى معي هنا بمكتبي كي اعطيك نسخة ثانية من ملف القضية ويحتوي على تقريري الذي دونته بالامس وكتبت فيه كل شيء.
ذهبت گودة مع الدكتور لؤي الى غرفة الاجتماعات فاغلق الباب ورائه. اجلسها على كرسي وسحب كرسياً آخر ليجلس امامها ثم فتح نسخة التقرير وصار يقرأها بينما كانت الفتاة ترتعد من شدة الخوف. ولما اكمل قراءة التقرير نظر اليها وقال،
الدكتور لؤي : لا تخافي يا گودة، بامكانك ان تسترخي وان تشعري بالامان فليس هناك احد يريد ان يؤذيكِ. اريد فقط ان افحصك واطرح عليك بعض الاسئلة. هل تأذنين لي بذلك؟
گودة : اج... اجل يا سيدي.
الدكتور لؤي : بل نادني يا دكتور.
گودة : اجل يا دكتور.
اخرج مصباحاً صغيراً من جيبه ووجهه الى عينها اليسرى ثم اليمنى ثم طلب منها ان تفتح فمها ليضع شريحة خشبية رقيقة بفمها وطلب منها ان تصدر صوتاً ثم وضع محراراً زئبقياً بفمها. بعدها ربط برباط رصاصي على ذراعها وصار يكبس على منفاخ اسود مع وضع سماعته تحت الرباط. ولما انتهى من ذلك طلب منها ان تستلقي على الارض وصار يتفحص صدرها وبطنها ثم هبط الى اعضائها التناسلية لكنها لم تبدي اي اعتراض. بقي يتفحص كل شبر من جسدها حتى قال،
الدكتور لؤي : لقد انتهيت يا گودة والآن اريد ان اتحدث معك قليلاً. ارجعي الى مكانك.
وقفت الفتاة ورجعت لتجلس على الكرسي فجلس مقابيلها ثانية وصار يطرح عليها وابل من الاسئلة التي كانت تجيب عليها جميعاً دون تردد. وبعد مرور اكثر من ساعة اخبرها بانه قد فرغ من فحصها وطلب منها ان تبقى جالسة بقاعة الاجتماعات بينما يذهب هو ليسلم تقريره الى عبد الخالق.
دخل الدكتور فوجد الضابطان يتحدثان سوية، نظرا اليه فسأل،
عبد الخالق : ماذا وجدت يا دكتور؟
الدكتور لؤي : اولاً الفتاة لديها التهاب رؤوي بسيط وهذا سبب سعالها المتقطع، لكن صحتها عموماً جيدة. لقد فحصت كامل جسدها فتبين لي انها كانت تمارس الجنس كما لو كانت سيدة متزوجة منذ امد بعيد بالرغم من ان سنها لم يتجاوز 13 او 14 سنة مع انها لم تبلغ الطمث بعد. تحدثت معها مطولاً وطرحت عليها كل انواع الاسئلة محاولاً التثبت من سلامة عقلها. ففي البداية كنت اعتقد انها تعاني من مرض نادر يدعى ADHD وهو مرض نفسي يصيب نمو الاعصاب لدى الاطفال. الا انني بعد ان تحدثت معها مطولاً وجدتها طبيعية جداً وسليمة من الامراض العصبية لكنها تعاني من التروما الحاد او التأزم النفسي الشديد على اثر الاغتصاب والتعذيب الذي تعرضت له خلال احتجازها لفترة سنين طويلة. انها لم تكن تعتقد ان ممارسة الجنس معها كان امراً مشيناً لانها فهمت من محتجزيها ان ذلك يكون بمثابة تقديم الخدمة والعرفان بالجميل لمن يأويها ويطعمها بين قوسين (الوحش).
عبد الخالق : ماذا تعتقد ان تكون خطوتنا التالية يا دكتور؟
الدكتور لؤي : انا من ناحيتي ساقوم بكتابة تقريري الطبي. وقد اعطيتها دورة من مضاد حيوي لمعالجة الالتهاب الذي بدوره سيوقف السعال لديها. وبذلك تكون مهمتي قد انتهت وبامكاني الرجوع الى بغداد. اما كيفية التحقيق بالامر فسوف اتركها لزميلي المحقق ملازم اول سلمان كي يحاول تتبع خيوط القضية ومحاولة ارجاع الفتاة الى احضان اهلها الاصليين وتقديم الجناة الى العدالة. كذلك اود ان اضيف، بما ان الفتاة تعاني من تروما حادة لذلك يجب التعامل معها بلطف كبير وهذا يعني ان لا ترفعوا اصواتكم امامها فهي ترتعد من ذلك لان خاطفيها كانوا يصرخون بوجهها ويعنفونها دائماً.
المحقق سلمان : بينما كنت تجري الفحص على المجني عليها، قام الملازم اول عبد الخالق باطلاعي على تقريره المفصل وكيفية وصول الفتاة الى المركز. لذا بامكانك يا دكتور العودة الى بغداد الآن تصطحبك السلامة وساتولى انا باقي التحقيق بنفسي هنا.
وقف الدكتور لؤي وشكر الجميع ثم حمل حقيبته وخرج من المكتب ليدخل قاعة الاجتماعات اين جلست گودة تنتظره هناك فودعها واخبرها بان كل شيء سيكون على ما يرام وانه سيعود الى بغداد بعد ان انهى مهمته. دخل المحقق سلمان على گودة بقاعة الاجتماعات وابتسم بوجهها وقال،
المحقق سلمان : كيف حالك يا گودة؟
گودة : انا بخير شكراً يا عمو.
المحقق سلمان : لقد حكوا لي كل شيء لكنني كمحقق يجب ان اسمع قصتك من البداية وحتى دخولك هذا المركز وحديثك مع الملازم اول عبد الخالق. اريدك ان لا تتركي اي معلومة الا وذكرتيها حتى لو كنت تعتقدين انها غير مهمة.
هنا بدأت گودة تقص عليه القصة كاملة منذ ان بعثتها امها الى دكان ابو تحسين وحتى فحصها مع الدكتور لؤي. فسألها المحقق،
المحقق سلمان : كيف استطعت الهرب من بيت الوحش إذاً؟
گودة : بذلك اليوم الذي هربت فيه، اخبرتني الخالة فاطمة ان الوحش قد اتصل بها واخبرها انه سوف لن يأتي لزيارتنا بتلك الليلة لان لديه اشغال مهمة. بتلك الليلة كانت الخالة فاطمة تعاني من زكام حاد وتنتابها نوبات عطاس متواصلة ولديها رشح مستمر. لذلك شربت بعض الادوية وخلدت للنوم ناسية وصد الباب بالمفتاح. بذلك وجدت الفرصة سانحة كي اهرب من ذلك البيت علّني انجو هذه المرة.
المحقق سلمان : أذا كان بالبيت تلفون فلماذا لم تستعمليه لتطلبي النجدة.
گودة : كانوا لا يسمحون لي بالتقرب منه وحتى لو اردت فسوف لن استطيع استعماله.
المحقق سلمان : الم تكن تلك محاولتك الاولى للهرب؟
گودة : كلا، لقد حاولت الهرب كثيراً وكانوا يعاقبونني عقاباً شديداً كل مرة. وباحدى المرات كسروا لي ساقي من شدة الضرب. لكنني توقفت عن المحاولات لفترة طويلة كي لا اتعرض للمزيد من الضرب والتسفيه والتعنيف. الا انني عرفت هذه المرة ان الخالة فاطمة سوف لن تتمكن من مطاردتي. وإن شرعت بذلك فسوف لن تكن قادرة على الحاق الاذي بي كما كانت تفعل في السابق لان قواها قد خرت من شدة المرض.
المحقق سلمان : والآن لدي سؤال مهم جداً يجب ان تركزي معي، هل تتذكرين اين كان دكان ابو تحسين؟
گودة : اجل كان بالقرب من بيت اهلي.
المحقق سلمان : واين يقع بيتكم؟
بدأت الفتاة تبكي بحرقة وتمسح دموعها بساعديها التي صارت تنهمر كالانهار على وجنتيها قالت،
گودة : لا اعلم والله لا اعلم. كان ذلك منذ زمن بعيد، بعيد جداً. هو كالحلم بالنسبي لي. انا لا اتذكر شيئاً منه.
المحقق سلمان : طيب، طيب لا تبكي ارجوكِ. ألا تتذكرين اسم احد من اهلك او اقاربك؟
گودة : كلا.
المحقق سلمان : قلتِ في التحقيق الاول انك عندما كنت تهربين من بيت الوحش بتلك الليلة مشيتِ بالغابة طويلاً ثم سمعت صوت انين. ما نوع ذلك الانين؟
گودة : عندما كنت صغيرة ببيت اهلي كنت اسمع احيانا وليس دائماً اصواتاً تشبه ذلك الانين. سألت ابي عنها فقال انه ملعب رياضي والانين هو بسبب اقامة مباراة.
المحقق سلمان : اهو ملعب لكرة القدم؟
گودة : لا اعلم يا عمو، ابي قال لي ملعب رياضي وحسب.
المحقق سلمان : طيب تعالي معي ودعنا نرجع الى مكتب الملازم اول عبد الخالق.
دخل الاثنان المكتب. فنظر اليه عبد الخالق وسأل،
عبد الخالق : هل سارت الامور على ما يرام؟
المحقق سلمان : اجل لقد كررت لي نفس الكلام الذي اخبرتكَ به كما في تقريرك المفصل ولم يستجد شيئ. لكننا متيقنون من حقيقة المعلومات التالية: اولا، الفتاة لا تكذب بتاتاً. ثانياً، انها لا تعاني من اي مرض نفسي. لكنها مصابة بصدمة شديدة على اثر احتجازها وتعنيفها وتعرضها لاغتصاب متكرر من قبل خاطفها على فترة طويلة قد تصل الى 10 سنوات او اكثر. ثالثاً، هي لا تعرف من اي قرية اتت ولا تعرف اسماء ابويها وذلك ما سيصعّب علينا المهمة بقدر كبير. يجب ان اتحدث مع السيد عبد الله الذي وجدها واتى بها الى هنا.
عبد الخالق : اجل، اجل، السيد عبد الله هو خالي واسمه الكامل عبد الله الدوري. ساتصل به هاتفياً الآن.
رفع سماعة الهاتف وطلب خاله ليتحدث اليه ثم وضع السماعة وقال،
عبد الخالق : تحدثت مع خالي فاخبرني بانه سوف يأتي الى هنا فوراً. بامكانك استجوابه مطولاً. هل تود شرب الشاي؟
المحقق سلمان : اجل، هذا لطف منك.
ضغط على زر الجرس فدخل الساعي ليأمره باحضار شاي لجميع الحاضرين. جلسوا ينتظرون قدوم عبد الله وما هي الى نصف ساعة ودخل عليهم وحياهم ليجلس امام المحقق فقال له،
المحقق سلمان : انا اسمي المحقق سلمان، جئت من بغداد لاحقق بقضية الفتاة المعتدى عليها گودة واحاول رسم الخطوط بين النقاط كي نجد الفاعل ونقدمه للعدالة، ولكي نعثر على اهل گودة كي نرجعها اليهم. لذا، اريد ان اسألك بعض الاسئلة لو سمحت يا سيد عبد الله.
عبد الله : وانا جاهز لان اتعاون معك بكل شيء.
المحقق سلمان : هل تذكر تماماً الموقع الذي التقيت به مع گودة؟
عبد الله : اجل اتذكره جيداً. انه يبعد حوالي 70 كلم خارج العوينات.
المحقق سلمان : إذا ذهبنا سويةً هناك فهل ستستطيع ان تحدده بالضبط؟
عبد الله : اجل، اجل بالتأكيد، ذلك امر هين، فانا ابن هذه المنطقة واعرف كل شبر منها.
المحقق سلمان : إذاً دعنا نذهب الآن وسنأخذ معنا گودة.
هنا تطوع آمر المخفر وقال،
عبد الخالق : خذوا سيارة شرطة من امام المركز. سيعطيكم الساعي مفتاحها.
خرج المحقق سلمان ومعه عبد الله وگودة ليركبوا السيارة ويتجهوا بها الى الطريق الخارجي. وبعد مسيرة ساعة الا قليلاً صاح عبد الله قائلاً،
عبد الله : توقف، توقف، هذا هو المكان.
وقفت السيارة وترجل منها الرجلان الا گودة ابت فنظر اليها المحقق وقال،
المحقق سلمان : انزلي يا گودة انزلي يا حبيبتي ولا تخافي، نحن معك.
گودة : لا، لا انا سانتظركما هنا.
المحقق سلمان : نحن نريدك ان تنزلي، لعلك تتذكرين بعض التفاصيل عندما تشاهدي المكان.
اومأت برأسها بالموافقة رغم عدم قناعتها التامة. فتحت باب السيارة الى جانبها ونزلت لكنها كانت ترتعد من شدة الخوف. طبطب على ظهرها عبد الله وقال،
عبد الله : لا تخافي يابنتي، نحن هنا معك ولن يتمكن اي انسان من التقرب منك او ايذائك. تعالي وامسكي بيدي.
فامسكت بيده وسارت ببطئ شديد مرتدية الملابس والحذاء الذي احضرته لها زوجته.
المحقق سلمان : هل هذا نفس المكان الذي رأيت فيه المجني عليها؟
عبد الله : اجل، اوقفت سيارتي هنا ثم تحدثت معها من خلال شباك الراكب الى يميني وسألتها عن وجهتها.
نظر المحقق الى گودة وسألها،
المحقق سلمان : هل هذا صحيح؟
فاومأت برأسها بالايجاب. فسألها ثانية،
المحقق سلمان : من اي جهة كنت قادمة.
نظرت حولها وتفحصت المكان جيداً ثم اشارت باصبعها الى اتجاه الغرب، قالت،
گودة : جئت من هناك. كنت اسمع انين السيارات من بعيد وبقيت اتتبعه حتى بدأت ارى مصابيح السيارات وهي تمر بكلا الاتجاهين فعلمت وقتها انني وصلت الى الشارع وقلت لنفسي يجب ان اطلب النجدة من احدهم.
المحقق سلمان : دعونا نسير بهذا الاتجاه إذاً ربما سنتمكن من معرفة الطريق الذي سلكته گودة في سيرها وقد نصل الى مكان احتجازها.
ولما سمعت گودة ذلك خافت كثيراً وبدأت تركض نحو السيارة. نظر عبد الله الى المحقق وقال،
عبد الله : سوف لن تستطيع اجبارها على العودة برجليها الى مكان احتجازها. فذلك قد يسبب لها سكتة قلبية. لقد قص علي عبد الخالق كل شيء. الم تحدثك عن كل الممارسات الوحشية التي تعرضت لها خلال تلك السنين؟
المحقق سلمان : اجل، اجل، كنت امل ان ارجع لها بعض الذاكرة، علها تستطيع ان تدلنا على البيت الذي احتُجِزت فيه. على العموم لو فرضنا انها سارات وقت هروبها لمدة ساعة كاملة ما بين الركض والمشي فما هي المسافة التي بامكانها ان تقطعها؟ انا اعتقد انها لا يمكن ان تقطع اكثر من 3 او 4 كيلومترات على اقصى تقدير. لذلك سانظر الى الخارطة الآن وسارسم دائرة نصف قطرها 10 كيلومترات يكون مركزها نقطة لقائكما وسوف اجند بعض عناصر الشرطة بالعوينات كي ينطلقوا بكل الاتجاهات من مركز الدائرة بحثاً عن منزل بوسط الغابة.
عبد الله : اعتقد ان ذلك افضل بكثير. فالفتاة سوف لن تستقي منها شيئاً.
المحقق سلمان : إذاً دعنا نرجع الى المخفر ونبدأ بطلب الدعم من الملازم اول عبد الخالق.
رجع الثلاثة الى المركز ودخلوا مكتب عبد الخالق آمر المخفر. فوجدوا عنده رجلاً يرتدي بزة كبار ضباط الشرطة. وقف عبد الخالق وقال،
عبد الخالق : حمداً لله انكم عدتم، لقد حضر اللواء الدكتور اكرم الكبيسي ليشرف على القضية بشكل عام ويحمل لنا امراً من رئاسة الجمهورية. ساتركه يحدثكم بنفسه.
الدكتور اكرم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اليوم طلبني السيد رئيس الجمهورية فذهبت لمقابلته. وهناك شعرت انه مستاء جداً وقلق. فقد اخبرني انه سمع بقضية الفتاة المخطوفة لذلك اعطاني اوامر صريحة وصارمة بتوفير جميع امكانيات وزارة الداخلية من موارد وعناصر وآليات لغرض العثور على الجاني او الجناة وتقديمهم للعدالة كي ينالوا عقابهم باسرع وقت ممكن. لذا حضرت اليوم وجلبت معي رسام محترف رئيس عرفاء فريد، هو يعمل لدى الشرطة ويستطيع رسم الاماكن بناءاً على وصف المجني عليهم او الشهود.
اخرج المحقق سلمان خريطة من جيبه وفرشها على منضدة آمر المخفر وصار يشرح للجميع حين قال،
المحقق سلمان : هذا كرم كبير من سيادتك ومن السيد الرئيس حفظه الله. استناداً الى ذلك يجب ان نطلب الدعم من بغداد كي يوفروا لنا 200 عنصر على الاقل. وفور وصولهم سنقوم بتوزيعهم بحيث ينطلقوا كلهم من هذه النقطة وينتشروا بكل الاتجاهات كي يفتشوا عن المنزل الذي تم فيه الاحتجاز. لذلك سنطلب من المجني عليها الجلوس مع فريد ووصف المنزل بشكل دقيق كي يتمكن العناصر من التعرف عليه. سوف تصف المنزل للفنان فريد الذي حضر معك سيدي.
بدأ الفنان بالتحدث مع المجني عليها فراحت تصف له المنزل بشكل دقيق جداً لان الجنات كانوا يجبرونها تنظيف المنزل من الداخل والخارج والتخلص من القمامة كل يوم لذلك فهي تعرف كل شيء عنه بالتفصيل. وبعد ساعتين وقف الفنان وبيده صورة رسمها للمنزل وقال،
"حضرات الضباط الكرام، لقد قمت باعداد صورة مجسمة للمنزل كما وصفته لي المجني عليها". وقف الدكتور اكرم وامسك بالورقة ليتأملها بشكل دقيق ثم قال،
الدكتور اكرم : احسنت يا رئيس عرفاء فريد. هذا سيسهل علينا المهمة.
وجه حديثه الى باقي الحاضرين وقال،
الدكتور اكرم : سنقوم باستنساخ هذا الرسم لنوزعه على جميع عناصر الشرطة التي ستشارك بالبحث عن المنزل. ساتصل هاتفياً بمكتبي ببغداد كي يعدوا لك العناصر ويبعثوهم باسرع وقت. على بركة الله.
بظهر ذلك اليوم وصلت من بغداد 15 ناقلة افراد تحمل 200 شرطي مسلح نزلوا وبيدهم مستلزمات التفتيش واجهزة (ووكي توكي) وبطاريات ضوئية وقناني ماء فاستقبلهم المحقق سلمان واعطاهم التعليمات ووزع عليهم نسخ من مخطط البيت الذي اعده فنان الشرطة ثم امرهم بركوب الحافلات من جديد كي تنقلهم الى نقطة الانطلاق.
وحين وصلوا الموقع، وقف المحقق سلمان وخطب فيهم قائلاَ، "نحن نقف الان من النقطة صفر وهي نقطة الانطلاق، اريدكم ان تتحلوا بالصمت الشديد لاقصى الدرجات، وعندما يجد احدكم الهدف يقوم بالتحدث معي بجهاز اللاسلكي بصوت منخفض جداً كي لا ينذر الجناة. سيبقى واقفاً بالقرب من المنزل ليراقبه مراقبة شديدة ولا تغفل عنه عيناه ولو للحظة واحدة حتى نصل اليه".
بدأت عملية البحث بنمط نجمة ابتداءاً من النقطة صفر. اي ان العناصر سينطلقوم من مكان العثور على گودة من قبل عبد الله منتشرين بخطوط مستقيمة بكل الاتجاهات كي يعثروا على المنزل المرسوم لديهم. كان المحقق ينتظر بالنقطة صفر كي يكون قريباً من اي عنصر يجد المنزل اولاً. وبعد مرور نصف ساعة التحق بهم الدكتور اكرم وسأل المحقق سلمان،
اللواء الدكتور اكرم : هل جد جديد؟
المحقق سلمان : كلا سيدي، نحن ننتظر عثور احد العناصر على المنزل. لقد قمت بارسال جميع...
قاطعه اتصال من احد العناصر الذي قال،
العنصر : سيدي، سيدي، لقد عثرت على منزلٍ يشبه الصورة تماماً.
المحقق سلمان : حدد موقعك بالضبط؟
العنصر : انا باتجاه غرب شمال غرب من النقطة صفر سيدي.
المحقق سلمان : لا تبرح مكانك، راقب المكان جيداً ولا تفعل شيئاً البتة حتى نأتي عندك، والاهم من ذلك كله لا تصدر اي اصوات.
العنصر : حاضر سيدي.
سار المحقق سلمان ومعه اللواء اكرم بالاتجاه الذي وصفه لهم العنصر لفترة من الزمن حتى شاهدوه واقفاً بين الاشجار فسأله المحقق،
المحقق سلمان : اين المنزل؟
اشار باصبعه نحو المنزل امامه وقال،
العنصر : هذا هو سيدي.
نظر اليه المحقق والدكتور اكرم ليصابوا بالدهشة لانه يشبه الصورة بشكل كبير. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الزمن الطويلة الذي قضته الفتاة المسكينة في ذلك البيت الذي يشبه القبر الصغير فطُبع في ذاكرتها وتمكنت من وصفه بدقة لفنان الشرطة. امر امحقق بعض العناصر الذين عثر عليهم في الطريق ان يطوقوا المنزل ثم قرّب مكبر الصوت من فمه ونادى، "انتباه انتباه انتباه يا ايها الوحش، يا فاطمة اخرجوا من البيت وايديكم مرفوعة للاعلى. لو لمحنا سلاحاً بحوزتكم فسوف نطلق عليكم النار دون تردد ونرديكم قتلى".
انتظر الجميع بكل حماس لبضع ثوانٍ حتى انفتح الباب ببطئ شديد وخرجت منه سيدة مسنة ملتحفة ببطانية سوداء. سارت الى الامام ورفعت ايديها للاعلى لتسقط منها البطانية على الارض. جائها الامر بالانبطاح فانبطحت. سألها المحقق بمكبر الصوت، "اين الوحش يا فاطمة؟". لكنها صرخت وهي منبطحة على الارض قائلةً، "انا وحدي في البيت". نظر المحقق سلمان لاحد عناصره وامره كي يدخل البيت بتأني لعل الوحش مازال متمترساً بالداخل. فتح العنصر الباب ببطئ شديد حاملاً مسدسه ودخله ليقوم بتفتيشه جيداً. بعد قليل خرج وقال، "البيت آمن". هنا تقدم رجال الشرطة وتقربوا من المنزل. قام احد العناصر بوضع الاصفاد على معصم فاطمة من وراء ظهرها ثم اعانها على الوقوف. تقدم المحقق منها وسألها،
المحقق سلمان : ما اسمك؟
فاطمة : اسمي سهيلة. لماذا تنادوني فاطمة؟
المحقق سلمان : لان ضحيتك اخبرتنا ان اسمك فاطمة.
فاطمة : اي ضحية واي فاطمة هذه؟ انا اعيش وحدي بهذه الغابة ولا اعرف اي شيء عن اي ضحية.
المحقق سلمان : كم انت سافلة، كيف تنكرين ما تسببت به لهذه المسكينة؟
نظر خلفه وامر احد العناصر باحضار الفتاة. وبعد بضع دقائق عاد العنصر ومعه گودة فنظر اليها المحقق وسأل،
المحقق سلمان : يا گودة، انظري الى هذه السيدة جيداً واخبرينا إن كنت تعرفينها.
صارت الفتاة ترتعد وتبكي بحرقة قالت،
گودة : انها الخالة فاطمة، انها فاطمة التي كانت تضربني وتجبرني على عمل شؤون المنزل. انها فاطمة التي كانت تقتادني من شعري الى غرفة الوحش كي يفعل بي ما يشاء.
دمدمت السيدة العجوز وتكلمت بصوت خافت قالت، "سيقطعك الوحش ارباً" فتقدم منها المحقق ليسألها،
المحقق سلمان : ماذا قلتِ؟ هل نطقت بشيئ ايتها العجوز الخرفة؟
فاطمة : لم اقل اي شيء سيدي. انا كبيرة في السن وعمري اكثر من سبعون سنة. انا مريضة وقد هجرني اهلي منذ امد بعيد، اسكن وحدي بهذا البيت الصغير (بالمنگطعة).
المحقق سلمان : سنتركك تسكنين ببيت اكبر قليلاً اسمه السجن المركزي إن لم يُحكم عليك بالاعدام.
امر عناصره باخذها ثم تقدم مع الدكتور اكرم ودخلوا المنزل مع گودة التي راحت تشرح لهم عن مكان نومها بالمطبخ والمكان الذي كان يأخذها اليه الوحش ويقوم بالاعتداء عليها والزاويات التي كانت تجلس بها على الارض وكيف كانت تتأمل السماء من خلال الشباك وتطلب من الله ان يبعث لها بالملائكة كي يخلصوها من حبسها.
امر المحقق فريق التحقيق الجنائي بمسح المكان وجمع الادلة كي تتم مصادرتها وارجاعها الى بغداد لاكمال المهمة والعثور على الجاني الثاني المدعو الوحش.
رجع فريق الشرطة ومعهم گودة وعادوا بها الى مركز الشرطة في العوينات. وبالخارج عند موقف السيارات كان عبد الله واقفاً ينتظرهم فسأل،
عبد الله : هل تم القاء القبض على المجرمين؟
المحقق سلمان : فقط العجوز الشمطاء فاطمة. قيدت بالاصفاد وارسلت الى سجن في بغداد. لكننا لم نحصل على الوحش بعد.
عبد الله : واين ستبقى الطفلة بفترة اجراء التحقيق؟
المحقق سلمان : سنحجز لها غرفة في الفندق الذي اسكن به بالعوينات حتى ينتهي التحقيق.
عبد الله : لقد اقترحت عليّ زوجتي ام سعدون ان نستضيف الفتاة ببيتنا بالعوينات وستكون متاحة لكم متى ما اردتم التحدث معها.
المحقق سلمان : هذه فكرة رائعة، بامكانك اخذها إن قَبِلَتْ الذهاب معك.
سأل عبد الله گودة فوافقت على الفور. ركب الاثنان معاً سيارة عبد الله ورجعا الى بيته لتستقبلهما زوجته ام سعدون وترحب بالفتاة فتأخذها للحمام كي تغتسل ثم تعطيها ملابس نظيفة. بعدها اخذتها الى غرفة قالت انها كانت غرفة ابنها سعدون قبل ان يتزوج ويترك البيت ليعيش مع زوجته تمارا. والآن بامكانها ان تقيم بها طالما شاءت.
وفي المركز، دخل المحقق سلمان مكتب آمر المركز، حياه وقال،
المحقق سلمان : لقد القينا القبض احد الجنات. ورجع فريق التحقيق الجنائي الى بغداد حاملين معهم الادلة ومن ضمنها بصمات الاصابع التي رفعوها من موقع الجريمة كي يفحصوها بالمختبر الجنائي. المتهمة (فاطمة) او سهيلة نُقِلَت الى سجن سري مؤقت ببغداد مخافة ان يلحق بها الوحش ويسكتها الى الابد كي لا نستدل عليه من خلالها. اما المجني عليها فقد اخذها خالك عبد الله كي تسكن ببيته برعاية زوجتة ام سعدون. الدكتور اكرم رجع الى بغداد هو الآخر كي يكلّف محققين ليتأكدوا من شخصية المتهمة فاطمة او سهيلة.
عبد الخالق : هذا شيء مفرح. فقد بدأتم بعمل حِرَفي ممنهج سيمكنكم باذن الله من العثور على الوحش.
بعد ظهر اليوم التالي اتصل اللواء الدكتور اكرم هاتفياً من بغداد وقال انه استجوب فاطمة في السجن وعرف ان اسمها الحقيقي الكامل هو (سهيلة منجد المحلحل). مسجلة على بلدية العوينات بمنطقة شمال غربي العوينات.
فوراً ركب المحقق سلمان سيارة وانطلق بها الى وسط مدينة العوينات كي يقوم بالبحث عن سهيلة التي ما عاد يطلق عليها اسم فاطمة لانها استعملت ذلك الاسم المستعار كي تخفي هويتها الحقيقية بهدف التظليل.
ولما بلغ وسط مدينة العوينات صار يسأل المارة عن منطقة شمال العوينات فادله احدهم وقال،
الرجل : سر بخط مستقيم حتى تصل الى ملعب العوينات الكبير ثم استدر يميناً ستكون تلك المنطقة هي ما تسمى بشمال العوينات.
المحقق سلمان : هل قلت ملعب العوينات الكبير؟ اهو ملعب لكرة القدم؟
الرجل : اجل، اجل انه ملعب قديم ومشهور تقام عليه مباريات محلية ووطنية.
المحقق سلمان : شكراً لك يا اخي العزيز.
"يا الهي، ما الذي اسمعه؟ الرجل يقول (ملعب العوينات الكبير) والملعب تصدر منه اصوات مرتفعة عندما يصرخ جمهور المشجعين وقت تسجيل الاهداف. وهذا ما كانت تسمعه الطفلة گودة عندما كانت تُجْرى مباريات بذلك الملعب. إذاً هناك احتمال كبير انها كانت تسكن مع عائلتها بالقرب من الملعب هنا بالعوينات وهذا يعني ان دكان ابو... ابو... ماذا كان اسمه ياترى؟ اللعنة نسيت ابو... ابو... اجل، ابوتحسين سيكون بالقرب من الملعب. شكراً لك يا ربي، لقد اوشكت الوصول الى حل القضية". اوقف سيارته ونزل ليدخل احدى الدكاكين بالقرب من منطقة سكنية شعبية فحياه قائلاً،
المحقق سلمان : السلام عليك يا عمي.
البائع : وعليك السلام يا ولدي. تفضل كيف استطيع خدمتك؟
المحقق سلمان : العفو يا عمي، خادم ربك. اريد شراء علبة سجائر روثمان لو سمحت.
البائع : أتريدها بالنعناع؟
المحقق سلمان : كلا ارغب بالنوع الاعتيادي.
البائع : تفضل.
المحقق سلمان : هل لي ان اسألك سؤالاً؟ منذ متى وانت تعمل بهذا الدكان؟
البائع : منذ اكثر من 25 سنة. كنت رئيس عرفاء بالجيش، ولما احلت الى التقاعد فتحت هذا الدكان.
المحقق سلمان : هل تعرف سيدة اسمها سهيلة منجد المحلحل؟
البائع : ومن تكون حضرتك؟
المحقق سلمان : انا المحقق ملازم اول سلمان الزبيدي من الداخلية وهذه بطاقتي الرسمية.
امسك البائع البطاقة وتفحصها جيداً ثم نظر اليه وقال،
البائع : ولماذا تريد ان تعرف عنها معلومات؟
المحقق سلمان : انها متهمة بالشروع بالقتل والتآمر بخطف طفلة والاعتداء عليها جنسياً.
البائع : بالعادة انا لا اعطي المعلومات عن احد بهذا الحي لانني مؤتمن على اسرار زبائني ولكن بما انك تعمل بشكل رسمي فسوف اخبرك عنها. اسمع سيدي: كانت سهيلة انسانة سيئة السمعة لانها كانت تسكن بالبيت الثالث الى اليسار من هذا الشارع ويأتيها الرجال بسياراتهم الفارهة ثم تخرج العاهرات السافرات من بيتها مع الرجال. استمرت هذه الحالة لفترة طويلة من الزمن حتى جائها المختار وهو صاحب المشتمل الذي تسكنه وطلب منها الكف عن ممارساتها التي لا تتناسب مع تقاليد سكان الحي. لكنها لم تتوقف واستمرت بعملها القذر حتى جائها امر من المحكمة باخلاء المنزل. لكنها اعترضت عليه ورفعت على صاحب الدار دعوة بالمحكمة لتكسبها باعجوبة. دلالة على وجود ايدي خفية ساندتها كي تلغي الامر القضائي. بقيت تمارس مهنتها حتى سمعنا يوماً انها اختفت تماماً ولم يعد لها اثر. البعض قال انها أنشأت ملهىً ليلي ببغداد، وآخرون قالوا انها ذهبت الى مكة وتابت وانتقلت الى منزل احد من اقربائها بالموصل. وآخرون قالوا انها ماتت. والعلم عند الله.
المحقق سلمان : متى كان ذلك؟
البائع : والله من الصعب ان اجزم بالتحديد ولكن ربما قبل 10 او 11 او 12 سنة.
المحقق سلمان : اي منزل قلت يا عمي؟
البائع : اسمي عمك هلال، انه البيت الثالث ويمتاز بدهان اخضر وباب حديدية حمراء صدئة. بامكاني ان ابعث احد اولادي معك ليدلك عليه.
المحقق سلمان : انا ممتنٌ اليك، ساحاول ان اجده بنفسي. إن فشلت فسوف اعود اليك لتساعدني.
ركب المحقق سيارته ثانية وهو بغاية السعادة فالقضية بدأت تنحل بشكل كبير. من الواضح ان سهيلة كانت سمسارة عاهرات وربما كان الوحش احد زبائنها. ولما بدأت الضغوط تزداد عليها. ساعدها الوحش في الانتقال الى منزل بوسط الغابة كي تستمر في العمل معه حصرياً. وهذا يعني ان عائلة الطفلة گودة كانت تسكن قريباً من هنا. ها هو المشتمل الذي تحدث عنه العم هلال دعني اسأل ساكنيه.
ضغط على زر الجرس وانتظر قليلاً فخرجت له سيدة قصيرة بعقدها الرابع تحمل بيدها طفل رضيع قال،
المحقق سلمان : السلام عليك يا اختي. هل انت صاحبة هذا المنزل؟
السيدة : من تكون انت سيدي؟
المحقق سلمان : انا المحقق ملازم اول سلمان الزبيدي من الداخلية وهذه بطاقتي الرسمية.
السيدة : نعم اخي انا مستأجرة لهذا المشتمل. اسكن هنا مع وزوجي واولادي الثلاثة ما الامر؟
المحقق سلمان : منذ متى وانت تسكنين بهذا المشتمل؟
السيدة : منذ 10 سنوات تقريباً. هل هناك مشكلة؟
المحقق سلمان : كلا، لا تخافي، هل تعرفين المستأجر الذي كان قبلكم؟
السيدة : انه امر مخجل حقاً. كانت هناك سيدة سيئة السمعة تسكن بهذا المشتمل ثم تركته فقمنا نحن بإستئجاره بعدها.
المحقق سلمان : ومن هو صاحب المشتمل؟
السيدة : صاحبه يدعى الحاج ابو فرات وهو مختار الحي. انه يسكن بهذا البيت المحاذي لبيتنا.
المحقق سلمان : شكراً لك سيدتي. آسف على الازعاج.
دخلت السيدة مع طفلها واغلقت الباب ورائها بينما سار المحقق بضع خطوات ليصبح امام باب المنزل المحاذي الذي ادلته عليه السيدة فضغط على زر الجرس. بعد قليل انفتح الباب وخرجت له طفلة لا يزيد عمرها عن 10 سنوات فحياها وسألها،
المحقق سلمان : مرحباً يا حلوتي، الا ناديت على والدك؟
الطفلة : وماذا اقول له؟
المحقق سلمان : قولي له الشرطة تريدك.
دخلت الطفلة واغلقت الباب ورائها. وبعد بضع دقائق كاد ان يضغط على زر الجرس للمرة الثانيةً الا ان الباب انفتح من جديد وخرج له رجل ستيني بدين يرتدي دشداشة بيضاء، نظر بوجهه وقال،
الرجل : تفضل اخي، ماذا تريد؟
المحقق سلمان : اريد التحدث مع الحاج ابو فرات.
الرجل : انا الحاج ابو فرات، تفضل، من انت وماذا تبغي؟
المحقق سلمان : انا المحقق ملازم اول سلمان الزبيدي من الداخلية وهذه بطاقتي الرسمية. اريد ان اسألك عن سكان المشتمل الذي الى جانبك قبل المستأجرين الحاليين.
ابو فرات : اوه، ذلك كان منذ امد بعيد، ربما 10 او 11 سنة. كانت هناك امرأة ذات سمعة سيئة تسكنه. لكننا تمكنا من مضايقتها حتى خرجت وارتاح جميع سكان الحي من افعالها. كان اسمها، كان اسمها، نسيت والله... لحظة، لحظة، كان اسمها سهيلة.
المحقق سلمان : هل سبق لك ان رأيت طفلة ذات الاربع سنوات تدخل معها الى المشتمل؟
ابو فرات : كلا، تلك السيدة كانت تتعامل مع الرجال فقط. ولم يكن لديها اهتمام بالاطفال.
المحقق سلمان : هل كان اسمها سهيلة منجد المحلحل؟
ابو فرات : اجل انت على حق، انه هو. انا الذي حررت لها عقد الايجار وقتها ودونت اسمها خطأ إذ كتبت لقبها (المهلهل) لكنها صححته لي وقالت (المحلحل).
المحقق سلمان : إذاً نحن نتحدث عن نفس المرأة.
ابو فرات : هل جئتَ لتبحث عنها بقضية آدآب؟
المحقق سلمان : كلا المشكلة اكبر من ذلك بكثير. انها مشكلة خطف طفلة من بيتها. الخطف وقع هنا بالعوينات. هل تتذكر وقوع حادثة خطف لطفلة يبلغ عمرها 4 سنوات قبل او بعد ترك سهيلة المشتمل بفترة قصيرة؟
ابو فرات : لا ابداً. لو حدث ذلك لسمعت به لا محال لانني مختار الطرف واعرف كل ما يدور في الحي. ولكن، ما اسم الطفلة وما اسم والدها؟ وباي منزل كانت تسكن؟
المحقق سلمان : الاسم الذي لدينا هو گودة لكننا لا نعرف اسم والدها ولا عنوانه. نحن نعلم انه بالقرب من ملعب لكرة القدم.
ابو فرات : فعلاً، الملعب الذي تتحدث عنه قريب جداً من هنا. لكنني لا اذكر سماع هذا الاسم من قبل، يبدو لي ان الاسم گودة غير مألوف بهذه الارجاء. فقد يكونوا من اخواننا الارمن او الاثوريون او الاكراد. هل انت متأكد من اسمها؟
المحقق سلمان : اجل، اجل انه گودة بدون شك.
ابو فرات : لم تمر عليّ حادثة اختطاف لطفلة ولا هذا الاسم الغريب باي وقت.
المحقق سلمان : على العموم، انا اشكرك كثيراً يا حاج ابو فرات. السلام عليكم.
ابو فرات : وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته. رافقتك السلامة يا ولدي.
رجع المحقق الى سيارته وهو محبط جداً لانه اعتقد ان القضية بدأت تتجه نحو الانفراج لكنه صُدِمَ بتصريح المختار ابو فرات. فهو مختار ويعرف كل شاردة وواردة بهذا الحي. فكيف لا يسمع بعملية الاختطاف لو كانت قد وقعت فعلاً بذلك الزمان؟ "يجب ان ارجع الى المركز واتصل بالدكتور اكرم كي اطلعه على آخر المستجدات".
ترى هل سيعثر المحقق سلمان الزبيدي على الوحش ام انه سيتبخر في الجو عندما يصله نبأ القاء القبض على سهيلة (فاطمة)؟ هل سترجع الطفلة گودة الى احظان والديها ام انها ستبقى وحيدة الى آخر عمرها؟
ستعرف الاجابة على كل هذه التسائلات بالجزء الثاني والاخير من هذه القصة.
878 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع